alomiri
مدير عام المنتدى عدد المساهمات : 457 نقاط : 11641 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/07/2011 العمر : 52 الموقع : http://www.anwarbaghdad.com
| موضوع: صناعة الطابوق في العراق الثلاثاء يوليو 30, 2013 7:14 am | |
| صناعة الطابوق|حرفة قديمة|صناعة الطابوق في العراق|كيفية صناعة الطابوق|صناعات شاقة
حرفة قديمة قدم حضارة وادي الرافدين.. ومعاناة لا تنتهي
علي الابراهيمي تمتد صناعة الطابوق في العراق امتداد حضارة وادي الرافدين،ما ساعد في قيام أولى المجتمعات المدنية على وجه البسيطة،حين كان الناس في المجتمعات الاخرى يعيشون في الخيم أو الكهوف،فجغرافيا العراق كانت عاملاً مساعداً في نجاح هذه الصناعة حيث التربة النقية والمياه الوفيرة، فضلاً عن الأيدي الماهرة التي بنت الزقورات والأبراج منذ عصور سحيقة. تلك الشواهد التي لما تزل شاخصة الى يومنا هذا. وأنت تسير في غير طريق بين مدن العراق،تطالعك على امتداد البصر أبراج عالية ظلت تنفث دخانها الأسود في الفضاء.إنها معامل الطابوق التي يعود تاريخ إنشاء بعضها الى عشرات السنين،حين كانت صناعة الطابوق تتم بطريقة بدائية تبدأ بجلب التراب من مناطق خاصة ومزجه بالماء ليصير طيناً،فيقطع بواسطة ماكنة بدائية الى ألواح طولية،تقسّم عرضياً لينتج ما يُعرف باللِـبْن وهو الطابوق غير المفخور الذي يُنشر في مساحة شاسعة تسمى (المسطاح)ليجف بفعل أشعة الشمس،ومن ثم يُدخل الكورة ليُفخر فيخرج منها طابوقاً يُستخدم في البناء. (أبو فارس)أحد أصحاب معامل الطابوق يصف العمل في معمله بأنه تطور عن السابق فيقول"كان العمل هنا يدويا بكل مراحله أما اليوم فلدينا ماكنة لتقطيع اللبن،ما ساعد في زيادة الإنتاج وتوسعه وزيادة عدد العاملين في المعمل،وفي هذا الوقت بالذات تعوض معاملنا البسيطة هذه عن إنتاج المعامل الحكومية المتوقفة منذ زمن،لذا فإن إنتاجنا من الطابوق يلقى إقبالا من المواطنين حتى من خارج المحافظة." هنا يقضي العاملون في معامل الطابوق نصف عامهم.هنا تلـّوح شمس الصيف المحرقة وجوه أناس ساقهم ضنك العيش وقلة ذات اليد الى اتخاذ صناعة الطابوق مهنة يكسبون من ورائها ما لايكاد يسد الرمق،ليطعموا صبية وفتيات وأطفالا يشاركون رغماً عنهم في عمل لايتناسب و عودهم الغض، أطفال كان يمكن أن يكونوا في حال أفضل من هذه.كأن يمضوا صيفهم يطوفون حول العالم في سفرات سياحية، أو يرتادوا المسابح والمتنزهات أو مقاهي الإنترنت ليتابعوا آخر صيحات الموضة ويشاهدوا أحدث الطرز في صناعة السيارات.لكن قدرهم جعلهم يودعون مدارسهم مرغمين ويغادرون أحلامهم البرئية التي لا تتعدى عيشاً هادئاً ومدرسة كغيرها من المدارس في العالم، تلك الأحلام التي لم يتمكنوا من جعلها واقعاً يعيشونه حين اضطرتهم ظروف آبائهم لأن يكونوا أصغر العاملين في هذه الصناعة الشاقة. (شيماء) فتاة تعمل في معمل الطابوق تقول"اضطررت للعمل في هذا المعمل لظروف عائلتي الصعبة إذ يعاني والدي من مرض مزمن يمنعه من العمل،وكنت أتمنى أن أكمل دراستي لأكون طبيبة أو معلمة، لكن أعتقد أنني أساهم أيضا في خدمة الوطن من خلالي عملي هذا." زرنا إحدى القرى التي تضم معامل الطابوق فبدت وكأنها أطلال إحدى المدن التاريخية.ولولا أسلاك الكهرباء القليلة المحمولة على أعمدة نحيلة، وأصوات مكائن تقطيع اللبن بمحركاتها وأحزمة نقل الحركة فيها،لخلت هؤلاء الناس يعيشون في زمان يسبق زماننا بقرون.كيلومترات قليلة فقط تفصل هذه المنطقة عن المدينة إلا أن بوناً شاسعاً يفصل هؤلاء الناس عن الحياة المدنية، هنا تقطن نحو خمسين عائلة مصدر رزقها الوحيد هو هذا الطابوق الذي يُصنّع بالطريقة ذاتها التي كان يُصنّع بها منذ مئات السنين، هنا يلف الدخان والغبار المكان.و يشح الماء كشح رزق هؤلاء، ما انعكس على مظهر أطفالهم.أسمال بالية يرتدونها.ولاشيء يُلبس في الأقدام ما جعل هذه الأقدام الصغيرة تعتاد السير حافية على أديم الارض الذي تكفي حرارته لتجفيف اللبن المقطع والمنشور على المسطاح. عماد جاسم قال إنه عمله هو (كاصوص) في القالب وأضاف:"مهمة الكاصوص تتلخص في استلام اللبن كقطعة كبيرة واحدة توضع على المشط أي سطح الماكنة لأقوم بتقطيعها الى قطع متساوية الحجم بواسطة الماكنة ثم يذهب اللبن المقطع لينشره السواجيج على مساحة واسعة ليجفف قبل أن يفخر في الكورة"،ويشكو عماد من قلة ما تدره عليه هذه المهنة الشاقة من رزق فيقول"أنا أب لثمانية أطفال، وما أحصل عليه من أجور في المعمل لايكفينا لنصف شهر، فاضطر الى تشغيل بعض أبنائي معي برغم صغر سنهم". وما أن يتنفس الصبح وتخبو أنوار المدينة لتعلن نهاية ليلة وبداية يوم جديد، حتى يغادر الجميع هنا ما يسمونها مجازاً منازلهم التي لاتشبه المنازل إلا في كونها تضم بين جوانحها - حين يرخي الليل سدوله - كتلاً من البشر هم عمال معامل الطابوق وعائلاتهم.قبل أن تشرق شمس هذا اليوم القائض يبزغ أهل هذه القرية الى عملهم. ناصر كاظم (مشرف على العمال) حدثنا عن مصاعب العمل في معامل الطابوق فقال"هنا على الجميع أن يعمل،فالفتيات يزاولن أعمالاً لا يقوى عليها الرجال، فتراهن يعملن في نقل قوالب اللبن ويحملن من الأثقال ما يفوق أوزانهن احياناً، والأطفال - على صغر سنهم - يقومون بما يتطلبه العمل من مهام قد لاتناسب بنيتهم الجسدية،وحتى الذي لايجد ما يعمله يشارك الآخرين الوقوف تحت أشعة الشمس في هذا الجو اللاهب تضامناً مع ذويه، أو ربما لأن صخب المكائن والجرارات والعجلات يقلق نومه فيجعله يغادر فراشه مع شروق الشمس". في هذا المكان يظهر جلياً سوء ظروف العمل الذي لايخضع الى أي من المعايير المعروفة،فالعاملون هنا من نساء ورجال وأطفال يقضون نصف يومهم في أجواء غير صحية بسبب التلوث الناتج عن دخان الخانات وهي الأماكن التي يوضع فيها اللبن ليُفخر.ومع كل ذلك فهم يتقاضون أجوراً لاتزيد عن بضعة آلاف من الدنانير لكل منهم. وعن ذلك يحدثنا ناصر كاظم قائلا:"غالبية العاملين هنا هم من أهالي المنطقتين الوسطى والجنوبية يغادرون مدنهم مع بداية موسم الصيف ليعودوا اليها مع بداية الشتاء،بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها أهالي الريف نتيجة الجفاف وقلة مياه دجلة والفرات لذا تراهم يتركون الزراعة ويغادرون مدنهم وقراهم ليتجهوا الى هذه المهنة الشاقة برغم الوارد المالي القليل لها". هنا قـُتلت الأحلام بعيش رغيد وانحصرت بالحصول على مبالغ ضئيلة لا تكاد تكفي لسد الرمق.برغم الأمراض الكثيرة التي أصابت العاملين في هذا المجال كالأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي بسبب قدم المعامل وأنظمة الصيانة المتخلفة فيها وافتقارها الى وسائل فعالة للحد من التلوث. في أحد مراكز البحوث التقينا الفيزياوي علي عبد الله وسألناه عن الأضرار التي تلحقها معامل الطابوق البدائية بصحة العاملين فيها فأجاب:" الملوثات المنبعثة من هذه المعامل تشكل دقائق الكاربون نسبة عالية منها فضلاً عن أكاسيد الكاربون والنتروجين والكبريت والهيدروكاربونات غير المحترقة وغاز الفلورين الناتج من أملاح الفلورايد الموجود أصلا في الطين المستعمل كمادة أولية في الإنتاج وتلك النواتج تتعاضد لتسبب أمراضا مختلفة بعضها قاتل،وبعضها يسبب أمراضا جلدية وأخرى تصيب الجهاز التنفسي". آخر فصل في فصول هذه القصة الحزينة تكتبه أولى زخات المطر التي تجبر هؤلاء على مغادرة المكان،إذ تنحسر فرص العمل في فصل الشتاء وتتوقف المداخن عن بث سمومها التي مع ما تسببه من أمراض.تمنح العاملين من الأموال ما يبقيهم وعائلاتهم على قيد الحياة. مع بداية فصل الشتاء من كل عام يجمع العاملون في معامل الطابوق عفشهم وأطفالهم ليعودوا من حيث جاؤوا بانتظار صيف جديد.وحيث لا بارقة أمل بتغير محتمل في ظروف حياتهم يبقى بعض هؤلاء في منطقة المعمل التي اتخذوا مستقراً لهم كونه سكناً مجانياً وإن كان يحتاج الى إعادة إعمار قبل أن تأتي السحب محملة بالغيث الذي يفرح به الجميع إلا العاملين في معامل الطابوق |
|
|