أول دراسة شاملة عن الحالات الإجتماعية
أعلن المكتب الفدرالي للإحصاء عن وجود 220 ألف حالة اجتماعية في سويسرا، أغلبهم من الأجانب وكبار السن والأسر ذات العائل الواحد والشباب الذين تقل أعمارهم عن خمسة وعشرين عاما.
وبينما يجد وزير الشؤون الداخلية باسكال كوشبان بأن هذه النتيجة "مثالية"، يرى الخبراء أنها "غير مطمئنة" بالمرة.
يقول المكتب الفدرالي للإحصاء في دراسة عرض نتائجها خلال مؤتمر صحفي في العاصمة برن، صبيحة الاثنين 15 مايو الجاري إن 3% من تعداد سكان سويسرا تلقوا خلال عام 2004 معونات اجتماعية، كانت مورد الرزق الوحيد لهم.
وتقدم الدراسة للمرة الأولى مسحا جغرافيا شاملا وتفصيليا للحالة الاجتماعية في جميع كانتونات سويسرا، وتوضح فرقا كبيرا بين انتشار هذه الظاهرة في المدن والقرى، إذ تصل في المدن إلى 5% من سكانها، وتنخفض في المناطق الريفية إلى 1.6% في المتوسط، إذ تتركز نسبة 48.4% منهم في المدن، ثم 36.4% في الضواحي والمناطق القريبة من المدن، والبقية في القرى.
وترتفع نسبة طلبات الحصول على الدعم الاجتماعي في مناطق غرب سويسرا، وبالتحديد في كانتونات نوشاتيل وفو وبازل – المدينة بنسبة تفوق 4%، تليها كانتونات جنيف وفريبورغ وزيورخ ثم برن بنسب تتراوح بين 3 و 3.9%، ثم كانتونات جورا وسولوتورن وريف بازل ولوتسرن وسان غالن وغلاروس بنسبة تتراوح بين 2 و 2.9%، وتصل إلى 0.6% في كانتون أبينتسل إينرهودن.
ولم ينظر وزير الشؤون الداخلية باسكال كوشبان إلى نتيجة الدراسة من هذه الناحية، بل اعتبر أن الجانب الإيجابي فيها هو أن 97% من السويسريين يعيشون بشكل مريح ويمكنهم الاعتماد على مواردهم المالية الخاصة بهم، وهي "نسبة جيدة من النادر أن تعرفها الإنسانية"، حسبما صرح به في سياق المؤتمر الصحفي المواكب لنشر هذه الدراسة.
كما انتقد الوزير فكرة عدد من البلديات تكليف بعض الأشخاص لمراقبة مستحقي الدعم الإجتماعي، واعتبر أن هذه الخطوة تمثل "تصورا مرعبا" نظرا لأن نتائج الدراسة العلمية تشير إلى ندرة حالات سوء إستغلال المساعدات الإجتماعية.
الأجانب والشباب أول الضحايا
التدقيق في البيانات الواردة في دراسة المكتب الفدرالي للإحصاء يكشف أنها تمس شرائح مختلفة من المجتمع، وأن آثارها المستقبلية غير جيدة في دولة تثمن الاستقرار الاجتماعي بشكل كبير وتعتبره أحد دعائم نجاحها.
فنسبة 31.6% من متلقي هذا الدعم الاجتماعي تقل أعمارهم عن 17 عاما أي أنهم يعيشون في أوضاع معيشية صعبة لا يمكنهم فيها الدراسة والتحصيل، تليهم الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و 25 عاما، وهي أعمار لو تم الاعتناء بها لتوفرت أياد عاملة جيدة.
من ناحية أخرى، كشفت الدراسة أن 63% من متلقي الدعم المالي هم ممن لا يتقنون حرفة، و36% لم يحصلوا على الحد الأدنى من التعليم، لذلك يرى أصحابها أن فرصة حصول هذه النسبة على عمل ضئيلة للغاية في ظل الأوضاع الراهنة، وأن احتمالات اعتمادهم على المعونات الاجتماعية لوقت طويل كبيرة للغاية.
وتتشكل الحالات التي تتعيش من مكاتب الدعم الاجتماعي من عدة أصناف أولها الأجانب وتصل نسبتهم إلى 43.7% (إما لعدم حصولهم على فرصة عمل لضعف مؤهلاتهم، أو لأنهم كبش الفداء الأول عند تقليص العمالة في المصانع والشركات)، ثم تأتي شريحة كبار السن وأرباب المعاشات لانخفاض مدخولاتهم بشكل كبير، لاسيما في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار الذي يطال الخدمات أيضا.
أما الشريحة الثالثة - والخطيرة حسب رأي المحللين - فتتمثل في الأسر ذات العائل الواحد، وأغلبها من النساء اللواتي يجب عليهن العمل لتوفير نفقات الحياة اليومية، ورعاية أبنائهن في نفس الوقت خصوصا وأن المجتمع لا يساعد على الأمومة، فالأم العاملة يجب أن تسدد نفقات باهظة لمن يقوم برعاية الطفل أثناء ذهابها إلى العمل، وإذا بقيت في البيت فلن تحصل إلا على القوت الضروري للحياة اليومية، وبالتي فهي مضطرة للإعتماد على الدعم الإجتماعي بجميع صوره.
الحلول الممكنة
ويركز التقرير على انعكاس الحالة المالية السيئة التي ينشأ فيها الأطفال والصغار، على مستواهم التعليمي والدراسي، ويشير إلى أنهم معرضون لتوراث تلك الحالة المالية السيئة إلى ما لا نهاية.
ويطالب معدو الدراسة بضرورة البحث عن حلول عاجلة تنصب في قناتين؛ تُعنى الأولى بإعادة تأهيل الأجانب القادرين على العمل في المجالات التي يمكنهم العثور فيها على فرصة للعودة إلى الحياة المهنية، وهو حل يطالب الوزير كوشبان باعتماده (لكن القرار النهائي يبقى دائما بيد الكانتونات والسلطات المحلية)، وتتجه الثانية إلى علاج لقضية الأمهات العاملات، ومساعدة الأطفال الصغار على الحصول على مؤهلات تعليمية جيدة، تفتح لهم آفاقا أفضل في الحياة العملية.
ويفضل بعض الخبراء تمويل هاتين الخطوتين في الوقت الراهن، لأنها تمثل نوعا من الاستثمار البعيد المدى، نظرا لأن الإستمرار في تقديم المساعدات الاجتماعية على المدى البعيد أمر مرهق ماديا للسلطات الفدرالية والمحلية، أما المساهمة في تأهيل الأبناء أو العاطلين عن العمل، فهو يفتح بابا جديدا للعمل، وهو ما يوفر موارد مالية إضافية لفائدة صناديق التأمينات والمعاشات والضرائب على حد سواء.
أما مثال كانتون تيشينو (الجنوبي) الناجح، في تقليص عدد حالات المعتمدين على الدعم الاجتماعي فيمكن أن يكون أسلوبا يحتذى به في الكانتونات الأخرى، إذ تقوم سلطات الكانتون بإعفاء الأسر والعائلات من العديد من رسوم الخدمات الإجبارية، وبالتالي ترفع من على كاهلها عبئا ماليا هاما، يمكن أن تستثمره في الإنفاق على دراسة الأبناء.
سويس انفو - تامر أبو العينين