اللغــة العـربيــة ومكانتهـا بيـن اللغــات
أهميـة اللغــة :
اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى.
إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار،
وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ،
وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم.
إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار،
والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف
لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي .
إن اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها.
وقد قال فيلسوف الألمان فيخته :
((اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين .
إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان )) .
ويقول الراهب الفرنسي غريغوار :
(( إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف
أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون
اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة،
وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة،
فيترتب على الثورة - والحالة هذه -
أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛
وذلك بمحاربة اللهجات المحلية،
ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين )) .
ويقول فوسلر :
(( إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرِمَ وطنَه على الأرض )) .
ويقول مصطفى صادق الرافعي :
(( إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة.
كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها
وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية
وانسلاخ الأمة من تاريخها .))
1 – الخصائص الصوتيـة :
إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات،
حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق.
وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروف أكثر عدداً
ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر،
كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين
وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة
( الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق .
وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً
يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات.
ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة
وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي.
فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال.
ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد،
ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين،
ولا الخاء قبل الهاء ، ولا النون قبل الراء ،
ولا اللام قبل الشين .
2 – الاشـتـقـاق :
الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات
بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسر وقبائل.
وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها
في مادتها ومعناها :
كتب - كاتب - مكتوب - كتابة - كتاب.. فتشترك هذه الكلمات
في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها .
وتشترك الألفاظ المنتسبة إلى أصل واحد
في قدر من المعنى وهو معنى المادة الأصلية العام.
أما اللغات الأخرى كالأوروبية مثلاً فتغلب عليها الفردية .
فمادة ( ب ن و ) في العربية يقابلها في الإنكليزية :
son ابن و daughter بنت. أما في الفرنسية فتأتي مادة
( ك ت ب ) على الشكل التالي :
كتاب livre مكتبة عامة bibliothèque محل بيع الكتب librairie
يكتب ècrire مكتبbureau .
وثبات أصول الألفاظ ومحافظتها على روابطها الاشتقاقية
يقابل استمرار الشخصية العربية خلال العصور، فالحفاظ
على الأصل واتصال الشخصية واستمرارها صفة يتصف
بها العرب كما تتصف بها لغتهم، إذ تمكن الخاصة الاشتقاقية
من تمييز الدخيل الغريب من الأصيل .
إن اشتراك الألفاظ ، المنتمية إلى أصل واحد في أصل المعنى
وفي قدر عام منه يسري في جميع مشتقات
الأصل الواحد مهما اختلف العصر أو البيئة،
يقابله توارث العرب لمكارم الأخلاق والمثل الخلقية
والقيم المعنوية جيلاً بعد جيل.
إن وسيلة الارتباط بين أجيال العرب هي الحروف الثابتة والمعنى العام .
والروابط الاشتقاقية نوع من التصنيف للمعاني في كلياتها وعمومياتها،
وهي تعلم المنطق وتربط أسماء الأشياء المرتبطة في أصلها وطبيعتها برباط واحد،
وهذا يحفظ جهد المتعلم ويوفر وقته .
إن خاصة الروابط الاشتقاقية في اللغة العربية
تهدينا إلى معرفة كثير من مفاهيم العرب ونظراتهم
إلى الوجود وعاداتهم القديمة،
وتوحي بفكرة الجماعة وتعاونها وتضامنها
في النفوس عن طريق اللغة.
3 – خصائص الكلمة العربية
( الشكل والهيئة أو البناء والصيغة أو الوزن ) :
إن صيغ الكلمات في العربية هي اتحاد قوالب للمعاني
تُصبُّ فيها الألفاظ فتختلف في الوظيفة التي تؤديها.
فالناظر والمنظور والمنظر تختلف في مدلولها
ط مع اتفاقها في أصل المفهوم العام الذي هو النظر.
الكلمة الأولى فيها معنى الفاعلية والثانية
المفعولية والثالثة المكانية .
وللأبنية والقوالب وظيفة فكرية منطقية عقلية.
لقد اتخذ العرب في لغتهم للمعاني العامة
أو المقولات المنطقية قوالب أو أبنية خاصة :
الفاعلية - المفعولية - المكان - الزمان - السببية -
الحرفة - الأصوات - المشاركة - الآلة - التفضيل - الحدث .
إن الأبنية في العربية تعلم تصنيف المعاني
وربط المتشابه منها برباط واحد،
ويتعلم أبناء العربية المنطق والتفكير المنطقي
مع لغتهم بطريقة ضمنية طبيعية فطرية .
وللأبنية وظيفة فنية، فقوالب الألفاظ وصيغ الكلمات في العربية
أوزان موسيقية، أي أن كل قالب من هذه القوالب
وكل بناء من هذه الأبنية ذو نغمة موسيقية ثابتة.
فالقالب الدال على الفاعلية من الأفعال الثلاثية مثلاً
هو دوماً على وزن فاعل والدال على المفعولية
من هذه الأفعال على وزن مفعول .
وإن بين أوزان الألفاظ في العربية ودلالاتها تناسباً وتوافقاً،
فصيغة ( فعّال) لمبالغة اسم الفاعل تدل بما فيها
من تشديد الحرف الثاني على الشدة أو الكثرة،
وبألف المد التي فيها على الامتداد والفاعلية الخارجية .
وتتميز اللغة العربية بالموسيقية
فجميع ألفاظها ترجع إلى نماذج من الأوزان الموسيقية،
والكلام العربي نثراً كان أم شعراً هو مجموع من الأوزان
ولا يخرج عن أن يكون تركيباً معيناً لنماذج موسيقية .
وقد استثمر الشعراء والكتاب العرب هذه الخاصة الموسيقية
فقابلوا بين نغمة الكلام وموضوعه مقابلة لها أثر من
الوجهة الفنية. فمثلاً يقول النابغة الذبياني :
ميلــــوا إلى الــدار مـن ليلى نحييـهـــا
نـعــم ونســـألهـا عن بعــض أهليـهــــا
حيث ينقلك إلى جو عاشق يهيم ويتأمل وتهفو نفسه
برقة وحنان إلى آثار الحبيب بما في البيت من نعومة الحروف
وكثرة المدود وحسن توزعها وجمال تركيب الألفاظ .
ويقول البحتري متحدثاً عن الذئب :
عوى ثـــم أقـعــى فارتجــزت فهجتـــــه
فأقـبــــل مثــــل البـرق يتبعه الرعد
فينقل تتابع حركات الذئب السريع
في ألفاظ قصيرة الأوزان متوالية الحركات .
وقد بلغت هذه الخاصة الموسيقية ذروتها
في التركيب القرآني، فأنت تحس، مثلاً في سورة العاديات ،
عدو الخيل :
(( والعاديات ضبحاً. فالموريات قدحاً.
فالمغيرات صبحاً. فأثرن به نقعاً. فوسطن به جمعاً )).
وكان لأوزان الألفاظ أثر في جمال الكتابة العربية،
فالكلمات التي على وزن واحد تتشابه ألفاظها الكتابية
مثل الكلمات على وزن فاعل أو على وزن مفعول.
إن هذه الكلمات في التركيب يكون منها ما يشبه الزخارف العربية .
وتتأرجح الصيغ بين الثبات والتطور،
والثبات غالب ولا يسبب هذا جمود العربية،
فإن لها على حالتها الحاضرة من الصيغ والأبنية
غنى لا تضارعها فيه لغة أخرى من اللغات الراقية
التي تفي بحاجات الإنسان في مثل هذا العصر .
إن الإخلال بهذه الأبنية وإفسادها إفساد لنظام اللغة،
فلذلك كان العرب إذا أدخلوا كلمة أعجمية
احتاجوا إليها صاغوها على نماذج ألفاظهم
وبنوها على أحد أبنيتهم وجعلوها على أحد أوزانهم .
وبين العربية والطبيعة صلة وثقى،
4 – التعـريـب :
يتشابه نظام العربية مع نظام المجتمع العربي.
فكما يرتبط أفراد المجتمع العربي وقبائله بصلات القربى
والنسب والتضامن والتعاون، ترتبط ألفاظها في نسق خاص
في حروفها وأصواتها، ومادتها وتركيبها ، وهيئتها وبنائها .
وحين يدخل غريب على المجتمع فلا بد لـه
لكي يصبح عضواً فيه من أن يلتزم بأخلاقه وعاداته،
فكذلك اللفظة الأعجمية إذا دخلت يجب أن تسير
على أوزان العربية وهيئاتها وصيغها لكي
تصبح عضواً كامل العضوية في الأسرة اللغوية .
ويُستعمل في العربية مصطلح التعريب بينما
في اللغة الأجنبية استعارة emprunt. والتعريب
أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من
اللغات على مستوى المفردات.
وكانت الألفاظ الدخيلة في العصر الجاهلي
قليلة محدودة تتصل بالأشياء التي لم يعرفها العرب في حياتهم.
وهي محصورة في ألفاظ تدل على أشياء مادية لا معنوية مثل :
كوب - مسك - مرجان - درهم.. وتعود قلة الدخيل إلى سببين :
انغلاقهم على أنفسهم واعتدادهم بأنفسهم وبلغتهم .
أما بعد الإسلام فقد اتصلت العربية باللغات الأخرى
فانتقلت إليها ألفاظ جديدة تتعلق كلها بالمحسوسات
والماديات مثل أسماء الألبسة والأطعمة والنباتات
والحيوان وشؤون المعيشة أو الإدارة.
وقد انعدم التأثير في الأصوات والصيغ والتراكيب .
إن هذا الداخل على الغالب لم يبق على حاله
بل صيغ في قالب عربي، ولذلك كانت المغالاة
والإكثار من الغريب وفسح المجال من غير قيد مظهراً
من مظاهر النـزعة الشعوبية في الميدان اللغوي قديماً وحديثاً .
5 – خصائص معانـي الألفـاظ العربيـة :
تقوم طريقة العربية في وضع الألفاظ وتسمية
المسميات على الأمور التالية :
أ - اختيار صفة من صفات الشيء الذي يراد
تسميته أو بعض أجزائه أو نواحيه أو تحديد وظيفته
وعمله واشتقاق لفظ يدل عليه .
ب - تحتفظ العربية بالمعاني الأصلية الدالة
على أمثال هذه المسميات ، فألفاظها معللة
على عكس غيرها من اللغات التي لا تحتفظ بهذه المعاني .
ج - الإشارة إلى أخص صفات المسمى وأبرزها
أو إلى عمله الأساسي ووظيفته، على عكس اللغات الأجنبية
التي تشير إلى ظاهره وشكله الخارجي أو تركيبه وأجزائه.
6 – الإيجــاز :
الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية .
يقول الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] :
(( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب
(( البلاغة الإيجاز )) و (( خير الكلام ما قلّ ودلّ )).
وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف .
الإيجاز في الحرف : والإيجاز في العربية على أنواع ،
فمنها الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات في العربية
عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية
تأخذ حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه.
وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد
في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH) مثلاً
ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه،
أي ما نتلفظ به، وقد نحذف في الكتابة
بعض ما نلفظ : لكن - هكذا - أولئك. بينما في الفرنسية
نكتب علامة الجمع ولا نلفظها،
وأحياناً لا تلفظ نصف حروف الكلمة.
ونكتب في الإنكليزية حروفاً لا يمر اللسان عليها في النطق ،
كما في كلمة (right) مثلاً
التي نسقط عند النطق بها حرفين من حروفها (gh)
نثبتهما في كتابتها .
وفي العربية إشارة نسميها ( الشدة )،
نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف مكرر أو مشدد،
أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً،
على حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر
أيضاً في الكتابة على نحو (frapper) و (recommondation) .
بما ) ومثلها ( لِمَ ) عوضاً عن ( لِما ) .
الإيجاز في الكلمات : وبمقارنة كتابة بعض الكلمات
بين العربية والفرنسية والإنكليزية نجد الفرق واضحاً :
العربية وحروفها الفرنسية وحروفها الإنكليزية وحروفها
أم 2 mère 4 mother 6
أب 2 père 4 father 6
أخ 2 frère 5 brother 7
منقول للفائدة