alomiri
مدير عام المنتدى عدد المساهمات : 457 نقاط : 11641 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/07/2011 العمر : 52 الموقع : http://www.anwarbaghdad.com
| موضوع: كتب الأمثال : مجامع ام معاجم الإثنين أغسطس 05, 2013 7:03 pm | |
| كتــب الأمثــال: مجامع أم معاجم..؟
عبد الغني أبو العزم
يعتبر المثل ظاهرة فريدة ومتميزة في الآداب العالمية، نظرا لطبيعته
اللغوية والتركيبية، وإيجازه الشديد ودلالته العميقة، بالإضافة إلى أنه خلاصة تجربة
يعبر عنها بالرمز أو الإيحاء أو الإشارة المباشرة في شتى ميادين الحياة اليومية ، ويعالج حالاتها من خلال الوقائع والعادات والتقاليد والممارسات، وهو بكل صيغه يظل
معبرا عن حكمة الشعوب، وخلاصة تجاربهم، ورؤيتهم للأشياء المحيطة بهم، وما بأنفسهم
وخباياهم، وقد أبرز الترمذي طبيعة الأمثال بقوله على أنها: "نموذجات الحكمة لما غاب
عن الأسماع والأبصار لتهدي النفوس أدركت عيانا" وهي بالنسبة إليه "مرآة
النفوس".
اهتم العديد من علماء اللغة بجمع الأمثال، واستطاعوا الإحاطة بعدد هائل منها عبر العصور مع بعد نظر بمضامينها، وهذا ما عبر عنه ابن عبد ربه بقوله: "ونحن
قائلون بعون الله وتوفيقه في الأمثال التي هي وشي الكلام وجوهر اللفظ، وحلي المعاني
والتي تخيرتها العرب وقدمتها العجم ونطق بها في كل مكان، وعلى كل لسان، فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء مسيرها، ولا عم عمومها، حتى قيل: أسير من مثل".
توضح هذه الرؤية الثاقبة القيمة التعبيرية للمثل على صعيد الآداب العالمية، وتضعه
في أعلى مراتب التعبير شعرا وخطابة، وإذا ما تصفحنا عناوين الكتب القديمة الخاصة
بالأمثال منذ القرن الثاني للهجرة، فإننا نجدها محصورة في: أمثال العرب، مجمع
الأمثال، جمهرة الأمثال، الفرائد والقلائد، كل هذه العناوين تحيل على الجمع بما
فيها الجمهرة لأبي هلال، وهو بدوره يحيل بشكل أو بآخر على جمهرة ابن دريد
باعتباره
معجما لغويا جاء تطويرا لمعجم العين للخليل بن أحمد
الفراهيدي .
على ماذا اعتمد الجمع إذا؟ وهل هناك منهجية معينة اتبعت في هذا
الصدد؟
لقد عرف جمع الأمثال خلال القرون الخمسة الأولى للهجرة تطورا مرحليا تجلى في ثلاثة اتجاهات:
ـ الجمع والتدوين .
ـ التصنيف الموضوعاتي .
ـ التصنيف المعجمي (أي الترتيب حسب حروف المعجم).
من أوائل الكتب التي أشارت إليها الفهارس والمصادر اللغوية، كتاب أمثال
العرب لعبيد بن شرية (ت 81هـ) وكتاب أمثال العرب للمفضل الضبي (ت 171هـ) الذي اهتم
بتفسير السياق الذي جاء فيه المثال مع شرح ألفاظه مثل "أسعد أم سعيد" و"إن
الحديث
لذو شجون" وكتاب الأمثال لمؤرج بن عمرو السدوسي (ت 195هـ). لقد اهتمت أغلب الكتب
الأولى بالشرح والتعليق اللغوي على "أسماء غير معروفة أو تشير إلى أحداث
مجهولة، أو
تجيء بتعبير غير مألوف، أو صياغة نادرة الاستعمال، فيكون هذا كله مجالا متسعا
لاجتهاد النحاة وإظهار علم اللغويين وافتتان الرواة
والقصاص".
ويلاحظ أن أغلب الكتب التي ألفت في هذه المرحلة وقد ضاع العديد منها
كانت من وضع اللغويين الذين قاموا بجمعها وتدوينها، وقد وصلت ذروتها كما أوضح ذلك
د.محمد النجار بكتاب الفاخر في الأمثال للمفضل بن سلمة بن عاصم الضبي 291هـ، ويحق
لنا أن نقول: "كل عالم لغوي –غالبا- هو جامع أمثال، وكل جامع أمثال هو عالم لغوي
بالضرورة طبقا لمعطيات هذه المرحلة المبكرة".
التصنيف الموضوعاتي:
يعد التصنيف الموضوعاتي من أهم المناهج التي اعتمدها العلماء العرب في
تصنيف العلوم في عدة مجالات، منها الحديث والفقه واللغة والمعاجم، وليس من المستغرب
أن يظهر هذا النوع من التصنيف باعتباره "أول تصنيف علمي نهجه علماء الأمثال العرب
وأن يكون سابقا على التصنيف المعجمي الألفبائي". إلا أننا لا نستطيع تأكيد عدم ظهور
كتب في الأمثال اعتمدت على الترتيب الألفبائي في المرحلة الأولى، وأن يكون هناك
تداخل في المراحل كما هو الشأن في تطور ترتيب المعاجم العربية، إذ أن ظهور معاجم
لغوية ذات مناهج مختلفة في الترتيب قد عرفت تداخلا فيما بينها، وليس هناك تسلسلا
مرحليا بكل منهج على حدة، وعلى سبيل المثال وجدنا كتابا لمؤلف مجهول رتبت فيه
الأمثال أبوابا وحسب الترتيب الألفبائي وقد بدأه بقوله: "باب ما جاء من الأمثال
أوله ألفا على مذهب الكتاب أو همزة على مذهب النحويين، ما جاء على أفعل مع الباء ، ثم التاء، ثم الثاء، ثم الجيم إلى آخر الحروف الهجائية"، أي جعله مرتبا على حروف
الهجاء.
لقد اعتمد تصنيف الأمثال حسب الموضوعات منذ أواخر القرن الثاني وبداية
القرن الثالث الهجري على منهجية دقيقة أدت إلى إبراز مضامينها في مختلف مجالات
الحياة، وإخراجها من كتب التاريخ والفقه والنحو والمعاجم والطب والفلسفة والجغرافية
والفلاحة والرواية، الأمر الذي أظهر ضخامتها ومتانتها وقيمتها العلمية، وأول من نهج
هذا النهج هو أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) في كتابه الأمثال، وهو أحد كبار
علماء اللغة والحديث في عصره. وإذا كان حسه اللغوي قد قاده إلى استكشاف مادة
الأمثال والتمييز بين مستوياتها فإنه تمكن أيضا من استكشاف ما تضمنه من أبعاد أدبية
وفنية في مختلف موضوعات الحياة، إذ جعل كتابه أبوابا "بذكر المواطن التي يضرب فيها
المثل من الأمثال" وقد بلغت تسعة عشرة بابا، كل باب يتضمن موضوعا بعينه (صنوف
المنطق ومعائب المنطق ومساوئه –الرجال- الأقوام- الأقربون – الأخلاق – الجود – المجد – الخلة والإخاء – الأموال والمعاش – العلم والمعرفة – أهل الألباب والحزم – الحوائج – الظلم – المعائب والذم – الخطأ والزلل – البخل - الجبن – مرازى الدهر
وأحداثه – جنايات الدواهي العظام).
هذا بالإضافة إلى أحد عشر بابا قصيرا في الأمثال الخاصة بـ: التشبيه
وغايته – اللقاء وأوقاته وأزمانه – ترك اللقاء ودهوره وآونته – النفي لمعرفة الرجل
– نفي المال عن الرجل – ما يتكلم فيه بالنفي من الناس خاصة – نفي الطعام – نفي
النوم والأوجاع – الاستهجال ونفي العلم – الطعام.
كانت هذه مجموعة الأبواب الواردة في كتاب أبي عبيد وما تفرع منها، إذ
كان كل باب يتفرع إلى عدة أبواب، أكثرها كان يصل إلى ثمانية وعشرين بابا وأقلها إلى
ستة أبواب، وقد بلغت في مجموعها 251 بابا فرعيا، وبلغ عدد الأمثال 1000 مثل و20 بيت
شعر و130 حديثا مع قصصها.
ومن الكتب التي نهجت نهج أبي عبيد كتاب جامع الأمثال لأحمد بن إبراهيم
بن سمكة اللقمي (ت 530هـ)، أشار إليه السيوطي في المزهر، والقفطي في إنباه الرواة
وقال عنه محمد النجار "إنه كان أكبر من كتاب أبي عبيد وأكثر تفصيلا ولأن الكتاب
مفقود فأوجه الشبه بين تصنيف أبي عبيد الأمثال وتصنيف ابن سمكة لا تعدو في نظرنا أن
تنحصر في التصنيف الموضوعي فحسب، ولكنه ليس بالضرورة طبقا لمضارب الأمثال كما ذهب
إليه أبو عبيد".
ومن بين الكتب التي اتجهت نهج أبي عبيد كتاب الجوهرة في الأمثال لابن
عبد ربه المدرج في العقد الفريد. وسيعود أبو عبيد البكري (ت 487هـ) في القرن الخامس
إلى كتاب أبي عبيد بن سلام ليتناوله بالشرح في مؤلف تحت عنوان فصل المقال في شرح
كتاب الأمثال. ويبدو أن منهجية تصنيف الأمثال حسب الموضوعات قد وجدت صداها في
الأندلس في الوقت الذي ظهرت فيه مؤلفات عن الأمثال اتجهت نحو التصنيف الألفبائي حسب
حروف المعجم.
ولقد تم تطوير منهجية التصنيف الموضوعاتي على يد أبي منصور الثعالبي ، حيث عمد إلى تحويرها والتدقيق في طبيعة الأمثال وحقولها الدلالية والقدرة على
استرجاعها في مؤلف شامل لها أسماه التمثيل والمحاضرة. ولقد استفاد من مؤلفي المعاجم
اللغوية الذين اهتموا بترتيب المادة حسب المعاني "فاستلهم خطاهم وسار على نهجهم ، وشرع يشيد تصنيفه على أساس المعاني أو الحقول أو المجالات الدلالية
للأمثال".
ومع كل الأهمية التي اكتساها كتاب التمثيل والمحاضرة للثعالبي في مجال
تصنيف الأمثال حسب موضوعاتها وما أضافه من جهد علمي وتصنيف منطقي، ستتجه أنظار
علماء اللغة إلى تصنيف آخر قائم على ترتيب الأمثال معجميا، تحت تأثير ما عرفته حركة
تأليف المعاجم من تطور هائل في مجال الترتيب.
التصنيف المعجمي:
لا شك أن حركة تأليف المعاجم العربية منذ ظهور كتاب العين للفراهيدي كان
لها تأثير بالغ فيما يمس جمع وتدوين الأمثال العربية، حيث اتجه علماء اللغة
المهتمين بها إلى إعادة النظر في تصنيفها، وهذا بالضبط ما قام به حمزة بن الحسن
الأصفهاني (ت 439هـ) عندما ألف كتابا في الأمثال أسماه الدرة الفاخرة في الأمثال
السائرة. وكان اختياره للتصنيف المعجمي تطورا منهجيا في جمع الأمثال حيث رتبه على
"نظام حروف المعجم ليسهل تناول ما يراد منه على ملتمسه". وسار على منواله فيما بعد
كل من أبي هلال العسكري (ت 395هـ) عندما ألف كتابه جمهرة الأمثال وجار الله
الزمخشري (ت 518هـ) في كتابه المستقصى في أمثال العرب وأبو الفضل أحمد بن محمد
الميداني في مجمع الأمثال وقد أكد هذا الأخير بدوره أن اختياره وضع الأمثال على
نظام الترتيب المعجمي كان يهدف منه حسب قوله: "ليسهل طريق الطلب على متناولها " وبالأخص عندما نكون إزاء عدد ضخم من الأمثال، وإذا كان جامعو الأمثال باعتبارهم
علماء لغة قد وجدوا في النظام المعجمي ضالتهم لترتيب المادة المثلية فإن هذا لا
يلغي أهمية الترتيب الموضوعاتي لكونه يمثل أداة تنظيمية استرجاعية لمادة الأمثال في
مجالاتها الدلالية، وسيظل كتاب التمثيل والمحاضرة للثعالبي نموذجا في هذا الصدد ، وكما قال عنه محمد رجب النجار "عمدة كتب الأمثال العربية القديمة في مجال التصنيف
الموضوعي الدلالي".
الأمثال العامية:
لقد اعتنى القدماء بجمع الأمثال، مع وجود العديد منها في كتب اللغة
والأدب، وما كان يرويه الرواة أو النحاة لتدعيم آرائهم اللغوية، حيث كان الغرض منها
تأكيد "صحة اللغة وإقامة الإعراب، وهذا يستلزم ضرورة أن يكون المثل قديم العهد صحيح
النقل". ولا شك أن الرواة لم يكونوا يهتمون بالأمثال السائرة والمتداولة عند العامة
لأن الهاجس اللغوي وسلامة اللغة كانت تتحكم في تحديد معيار المثل و"لم يأخذوه من
أفواه العرب في حياتهم اليومية وحديثهم العادي بقدر ما أخذوه من نصوص الأشعار
العربية القديمة التي بذلوا الجهد في روايتها وتدوينها"، ومع هذا التأكيد هناك
العديد من الأمثال تخرج عن هذا السياق وإن احتفظت بتركيب لغوي سليم وفصيح، ونجدها
في أغلب المؤلفات القديمة، ويكفي أن نعود إلى مقدمة أبي هلال العسكري لنستشف من
خلالها أن عملية الجمع بالنسبة للمؤلفات التي وقف عليها وأخذ منها، كانت تمتد إلى
كل ما يمت إلى المثل بصلة بغض النظر عن طبيعته اللغوية، إذ يقول: "وميزت ما أورده
حمزة الأصفهاني من الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة، وهي الأمثال على أفعل من
كذا، فأوردت منها ما كان منها عربيا صحيحا، ونفيت المولد السقيم ليبرأ كتابي من
العيب الذي لزم كتاب حمزة في اشتماله على غث من أمثال المولدين وحشو الحضريين
، فصارت العلماء تلقيه وتسقطه وتنفيه".
وواضح من كلام أبي هلال العسكري أن مجتمع العلماء مجمع على إبقاء
المكتوب عربيا فصيحا، وإذا ذكر بعض أمثال العامة في ثنايا الكتاب فإنه يذكرها عرضا
وبصيغة فصيحة، وهذا ما فعله ابن عبد ربه والبكري.
تعريب الأمثال:
لقد شكلت اللغة العربية عند العلماء العرب، مفتاح التأليف، وأضحت معيارا
للتمكن من العلوم والتفقه فيها، ولا شك أن تعريبهم للأمثال العامية يوضح مدى تشبثهم
بالفصيح كأداة للتعامل مع المعرفة، وهذا ما يفسر خلو تآليفهم من لغة العامة في
مرحلة التدوين والجمع، ولم يهتموا بكل ما له علاقة بها، وإذا ما تقصينا بعض كتب
اللغة وما يتعلق بألفاظ العامة، يمكن أن نستشف بعض المظاهر في لغة العامة، ويعد
كتاب ابن هشام اللحمي (ت 577هـ) لحن العامة الذي وضعه من أجل إعادة ألفاظ العامة
إلى أصولها العربية، وما كان متداولا عندهم من أمثال وجمل، مرجعا أوليا من مراجع
البحث في الآداب الشفوية، وتلاه فيما بعد ابن مكي الصقلي (القرن السادس) في كتابه
تثقيف اللسان وتلقيح الجنان وابن عاصم الغرناطي في القرن
الثامن.
إلا أن هذا التعريب لم يستطع أن يصمد طويلا ولو مع حرص علماء اللغة
الذين اهتموا بتدوين الأمثال وجمعها وفرز ما جاء على ألسن العامة، إذ أن ما عرفته
المجتمعات العربية من تحولات ومتغيرات أدت إلى تداخل أمثال الفصيح والعامي، ولم يعد
بالإمكان إقصاء ثروة مثلية أضحت متداولة بين العامة والخاصة على حد سواء، على الرغم
من حرص أبي عبيد القاسم بن سلام على انتقائه لمادة الأمثال التي جمعها، إلا أنه مع
ذلك اضطر إلى إيراد عدد محدود منها على سبيل "المقارنة أو المماثلة". وهذا الانتقاء
برره أبو عبيد البكري في تأكيد حرصه على تمييز "الأمثال المأثورة، المنقولة
والمحمولة والمروية المحكية عن العرب"، إلا أن هذا الاحتراز من أمثال العامة سيعرف
انعطافا مهما على يد المفضل بن سلمة بن عاصم في كتابه الفاخر، حيث أوضح بصريح
العبارة أن "هذا كتاب معاني ما يجري على ألسن العامة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلام
العرب، وهم لا يدرون معنى ما يتكلمون به من ذلك، فبيناه من وجوهه، على اختلاف
العلماء في تفسيره، ليكون من نظر في هذا الكتاب عالما بما يجري من لفظه، ويدور في
كلامه". وأعتقد أن هذه القولة بليغة العبارة والدلالة في تحديد ماهية الأمثال
الشعبية، وتحل إشكالا علميا فيما يمس طبيعة الأمثال بغض النظر عن انتمائها إلى
الفصيح أو العامي، ويحسم أمرا عالقا كما أوضحه محمد رجب النجار وهي "أن أمثال العرب
المأثورة ليست أمثالا شعبية فحسب –فهذا لا جدال فيه- ولكنها هي نفسها الأمثال
الشعبية التي كانت ذائعة بين العوام خلال العصر الذهبي لجمع الأمثال العربية
وتصنيفها"، مما يجعلنا نؤكد أن الاهتمام بالرواية العامية قد شقت طريقها منذ القرن
الثالث الهجري على الرغم من احترازات العديد من أئمة اللغة، إذ أن استعمال وتداول
الأمثال بين جميع الأوساط الخاصة أو العامة منها كان هو المعيار الذي تحكم في نهاية
المطاف في الجمع والتدوين.
سيعرف هذا التوجه منحى جديدا في بلاد الأندلس، وفي ضوء الجهد العلمي
الذي بذله أبو عبيد البكري عندما تصدى لشرح كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام، إذ سيتسع
الاهتمام بلغة العامة لاعتبارات تاريخية وجغرافية واجتماعية، وهو اهتمام لم يكن على
حساب اللغة العربية الفصيحة.
لقد ترك لنا أهل الأندلس، تراثا لغويا عاميا، تمثل في الأزجال والموشحات
والأمثال العامية، أضحى من مواد التأريخ لفهم طبيعتهم وذهنيتهم وقضايا مجتمعهم ، ولأن اللغة المتداولة تعد تعبيرا عن النسق الفكري السائد داخل المجتمع، وإذا ما
تقصينا بعض كتب اللغة وما يتعلق بألفاظ العامة يمكن أن نستشف ظواهر هامة في حياة
جماعة ما.
لم يكن كتاب ابن عاصم الغرناطي حدائق الأزهار خارجا عن السياق العام
لطبيعة المجتمع الأندلسي عندما اتجه إلى جمع الأمثال العامية الأندلسية المتداولة
في غرناطة، وأعتقد أن عنوان كتابه لوحده يشكل مادة للتفكير وللتأويل، في غياب وضوح
المقاصد التي كان يصبو إليها، مما يطرح بعض التساؤلات، هل ابن عاصم كان يريد رد
الاعتبار إلى لغة العامة وما تعبق به من أريج استنادا إلى عنوان الكتاب، واعتبار
ذلك مدخلا لإثارة الاهتمام إلى هذا النوع من الآداب؟ وهل قاده إلى ذلك إحساس داخلي
بضرورة تسجيل مادة ثقافية ذات جذور شعبية، يخاف عليها من الضياع؟ مع العلم أن هناك
بداية محتشمة لابن عبد ربه عندما حاول أن يضم بعض أمثال العامة، ولو أنه قام
بتعريبها، إذ يقول في الجوهرة: "وضممنا إلى أمثلة العرب القديمة ما جرى على ألسنة
العامة من الأمثال المستعملة"، بالإضافة إلى ما أكده في تقديمه لمجموع الأمثال التي
أوردها: "فأول ما نبدأ به أمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمثال العلماء ، ثم أمثال أكثم بن صيفي، وبزر جمهر الفارسي، وهي التي كان يستعملها جعفر بن يحي في
كلامه، ثم أمثال العرب التي رواها أبو عبيد وما أشبهها من أمثال العامة، ثم الأمثال
التي استعملها الشعراء في أشعارهم في الجاهلية والإسلام"، مع العلم أن ابن عبد ربه
لم يورد إلا أمثالا قليلة ومحدودة من أمثال العامة مع صياغتها بلغة
فصيحة.
وبغض النظر عن المقاصد في وعيها أولا وعيها، فلقد تمكن ابن عاصم بأن يلم
في حدود ثمانمائة مثل بأهم الأمثال السائرة على ألسنة العامة، وسجل بذلك أحاسيس
مواطنيه ورؤيتهم الطبيعية للأشياء في بساطتها وأريحتها، وما كان يضج به المجتمع
الأندلسي من تناقضات في شتى المجالات (دين، طوائف، سياسة، نساء، قيم).
ولم يقف الأندلسيون عند جمع الأمثال العامية، ولكن بدأوا ينظمون أشعارهم
بالعامية، وهذا انزياح آخر باللغة، وقد مثل ابن قزمان هذا التوجه خير
تمثيل.
الأمثال العامية في الأقطار العربية منذ عصر
النهضة.
على الرغم من موقف بعض الرواة وعلماء اللغة من الأمثال العامية، فإن
الرواية العامية استطاعت أن تفرض وجودها على يد المفضل بن سلمة بن عاصم، كما استطاع
أهل الأندلس أن يدخلوها إلى حدائق أزهارهم، وقد تركوا لنا تراثا هاما تناوله باحثون
معاصرون بالدرس والتحليل والتمحيص والتحقيق، وعلى سبيل المثال: أبحاث عبد العزيز
الأهواني، وعبد الرحيم يونس، بالإضافة إلى العمل العلمي الذي أنجزه د.محمد بنشريفة
حول أمثال العوام في الأندلس عندما حقق كتاب أحمد الزجالي القرطبي (ت694هـ) وأبحاث
د.جليل العطية ود.محمد رجب النجار، هذا بالإضافة إلى ظهور مجلات علمية متخصصة في
التراث الشعبي.
لقد احتلت الأمثال في مجال البحث العلمي حيزا مهما وخصبا للتنقيب في
الآداب العربية الشفوية كما هو الشأن بالنسبة للبحث الأوروبي الذي اتجه خلال القرن
السابع عشر لدراسة الآداب الشعبية والمأثورات الشفوية والفولكلورية في العديد من
البلدان الأوروبية، واتجه بعض المستشرقين إلى الاهتمام بالتراث الشفوي للشعوب
العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
من بين المؤلفات الخاصة بالأمثال التي ظهرت في هذه الفترة يمكن ترتيبها
كما يلي:
Carlo Landsberg, Proverbes et dictions du peuple arabe dela province de Syrie, Leyde, 1883.
ـ نعوم شقير، أمثال العوام في مصر والسودان والشام، مطبعة المعارف، مصر ، 1894.
ـ محمد أحمد عمر الباجوري، أمثال المتكلمين من عوام المصريين ، ط.الشرقية، 1894.
ـ يوسف خانكي، مجموعة أمثال عامية مصر، ط.البيان ، 1897.
وختمت هذه الفترة بمؤلفين أعتبرهما من أهم ما صدر عنها من أمثال، ومن
أغناهما مادة.
ـ المؤلف الأول حول: الأمثال العامية في لبنان الجنوبي لصاحبه فردينان
يوسف أبلا.
ـ المؤلف الثاني حول: الأمثال العامية المصرية لصاحبه أحمد تيمور
باشا.
كيف تعامل إذا كل واحد منهما مع مادة الأمثال المتجمعة لديهما ترتيبا
وتصنيفا؟
لا شك أن إشكالية الترتيب تطرح على كل باحث عندما ينتهي من عملية تجميع
الأمثال وذلك من أجل تسهيل البحث فيها والاستفادة من مادتها، ولقد أسهم القدماء كما
رأينا في وضع منهجيتين للتعامل مع الأمثال.
ـ منهجية التصنيف الموضوعاتي.
ـ منهجية الترتيب المعجمي.
وأود أن أوضح هنا أنه لا توجد أفضلية بين المنهجيتين المذكورتين، إذ لكل
منهما لها خاصيتها ووجاهتها، وحسب ما يراه جامع الأمثال مناسبا، وما يدخل في سياق
الأغراض المتوخاة من عملية جمعها واستخدامها ونشرها، ويبقى الجمع هو القاعدة
المشتركة عند أغلب الباحثين الذين اهتموا بالأمثال ونشرها في كتب، وبعد ذلك تطرح
إشكالية التصنيف أو الترتيب، آنذاك نكون بصدد تناول إحدى قضايا المعجم، مع العلم أن
أغلب الكتب التي تضم مجموع الأمثال لا تشير أنها تقدم معجما بخلاف العديد من
المؤلفات الغربية الجامعة للأمثال.
أعتقد على سبيل المثال أن الميداني كان واعيا بهذه المفارقة فسمى مؤلفه
بمجمع الأمثال ولم يطلق عليه معجما، لكن هل يحق لنا أن نسمي مجمع الأمثال
معجما؟
سأترك جانبا هذه الإشكالية للحوار، وسأعرض أولا لمؤلفي أبلا وتيمور
لنتعرف على طبيعة الإشكالات التي يطرحها جمع الأمثال تصنيفا أو ترتيبا، مع العلم
أنهما يختلفان من حيث الترتيب ويلتقيان بصورة من الصور من حيث منهجية تقديم المثل
للقارئ.
ما هي إذا منهجية كل منهما وأين يلتقيان؟ وأين
يختلفان؟
يعتبر مؤلف فردينان يوسف أبلا من أهم المؤلفات الخاصة بالأمثال العامية
من حيث التقديم والشرح والترجمة، إلا أنه لم يعتمد أي نوع من الترتيب، والمنهجية
الوحيدة التي اعتمدها في الجزء الأول الذي يضم 1947 مثلا يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ تقديم المثل بلغته العامية.
ـ إعادة كتابته بالحروف اللاتينية.
ـ ترجمته إلى اللغة الفرنسية.
ـ تعليق أدبي حول طبيعة المثل ودلالاته الاجتماعية أو
الفكرية.
ـ تقديم حكاية تصويرية أو حكاية شعبية تمس جوهر
المثل.
ـ تقديم إحالة تتضمن الإشارة إلى ما يشبهه من أمثال سواء داخل متن
الأمثال الواردة في المؤلف أو الإحالة على أمثال عربية أو غربية أو عامة في العديد
من الأقطار.
ونقدم هنا نماذج من معجم أبلا.
Hadd l-a'rab la to'rab w-hadd l-hayye' ofro? w-n m
N'apporche pas du scorpion, mais tu peux étendre ton matelas et
dormir prèsdu serpent.
2 – 909 عمر اعطيني وبالبحر ارميني
omar'a tini w-b l-bahr' rmini
Accorde-moi de vivre et jette-moi dans la mer.
Maxime fataliste : on ne risque rien si l'on est prédestiné à vivre.
Se dit aussi en Egypte.
Cf. N°380.
3 – 380 اللي اله عمر ما بتقتله شدة
'lli' lo mr ma b-t 'telo ? dde
Les épreuves ne tuent pas (n'achèvent pas) celui qui est appelé
à vivre.
Maxime fataliste qui est aussi citée en Egypte : puisque tout est « écrit » (mektoub), il est vain de craindre pour sa vie.
أما الجزء الثاني الذي يضم 200 مثل نجده يكتفي فقط بـ:
ـ تقديم المثل بلغته العامية.
ـ إعادة كتابته بالحروف اللاتينية، أي دون ترجمة أو تعليق أو إحالة.
أما ما يتعلق بمؤلف الأمثال العامية المصرية لأحمد تيمور باشا الذي يضم
3188 مثلا، فلقد اعتمد المنهجية التالية القائمة على الترتيب الألفبائي:
ـ تقديم المثل بلغته العامية وبالشكل التام.
ـ شرح إن اقتضى الحال بعض المفردات المحورية باللغة العربية.
ـ شرح دلالة المثل ومغزاه الحكمي.
ـ تقديم إحالات تتضمن الإشارة إلى ما يشبهه من أمثال عربية فصيحة أو بعض
الأمثال العامية الواردة في متن المؤلف.
وهذه بعض النماذج:
595 – إن ضحك سني حيا مني وان ضحك قلبي عتبي عليه" أي إن ضحك فمي في
مصيبتي فذلك حياء مني ومجاراة للناس لا سرورا وانشراحا، وإنما العتب على القلب لأنه
موضع السرور والحزن ولا عبرة بالظواهر. وانظر في الباء الموحدة: (البق اهبل) وفي
الضاد المعجمة: (الضحك ع الشفاتير) الخ. وانظر في الواو: (الوش مزين والقلب
حزين).
770 – "برا ودره وجوا قرده"
يضرب في حسن الظاهر وقبح الباطن.
878 – "تحت البرافع سم ناقع"
أي لا يغرنك ما تراه من الظاهر الحسن فإن ما تحت البراقع سم قاتل. يضرب
للحسن الظاهر القبيح الباطن.
900 – "تقعد تحت الحنية وتقول يا امه مالوش نيه"
يخصون الحنية بالتي تحت السلالم لا مطلق حنية، أي تقعد البنت البائرة
تحت الحنية وتختبئ فيها خجلا ثم تسائل أمها وتقول: أما للخاطب نية في يا أماه، أي
أين إظهارها الخجل من هذا السؤال. يضرب للذي يتظاهر بغير الحقيقة ثم تحمله الرغبة
في الشيء على إظهارها .
وواضح من هذه الأمثلة أن المؤلف لم يلتزم بالمنهجية نفسها في كل الأمثال
لاعتقاده أن العديد منها لا يحتاج إلى شرح ويعتبره مفهوما لدى القارئ.
وبجانب هذه المنهجية ذيل المؤلف بكشاف موضوعي، وضعه مركز الأهرام
للترجمة والنشر وليس من وضع المؤلف. "النماذج المقدمة أعلاه تدخل في إطار موضوع
الباطن والظاهر".
يعد هذا الكشاف إضافة منهجية لتصنيف الأمثال تحت رؤوس الموضوعات حسب
مضامينها، وقد رتبت ترتيبا ألفابائيا، ويندرج تحت كل موضوع مجمل الأمثال المتعلقة به حسب أرقامها.
ما يمكن أن نستخلصه من هذا التقديم، هو أن هناك إشكالية كبرى فيما يتعلق
بجمع الأمثال وترتيبها وفهرستها، وليست هناك منهجية مثلى للتعامل معها، وإذا أردنا
أن نقوم بمسح شامل لها وتقديم لجميع أوجهها، فلا مناص من اعتماد منهجية الترتيب حسب
الكلمة الأولى في المثل، بالإضافة إلى ترتيب يعتمد كلمات المفتاح في كل مثل، ثم
اعتماد منهجية الموضوعات، وسنكون بطبيعة الحال أمام ثلاث مجلدات، وهو الأمر الذي
أصبح بالإمكان إنجازه بالاعتماد على برنامج آلي.
|
|
|